خالد الجيوسي
فيما كان يصعد رئيس الحكومة الانتقالية المهندس محمد البشير منبر المسجد الأموي، حتى يخطب بالسوريين، حضر المستوطنون إلى بلاده، وفي المناطق التي احتلها جيش الاحتلال الإسرائيلي من سورية في هضبة الجولان، وفجأةً تحوّل جبل الشيخ إلى ما قالوا عنه “جبل حرمون” ضمن شُروحات توراتية في المكان على الأراضي السورية.
إسرائيل تتباهى.. والجولاني يدعو للاحتفال!
وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس تباهى من جهته قائلًا: “زرت ونتنياهو هضبة الجولان، ورأينا قمم جبل الشيخ السوري التي عادت لسيطرتنا بعد 51 عامًا”.
جيش الاحتلال هجّر سكان مدينة الحميدية في ريف القنيطرة السوري، الذي توغّل فيه مسافات كبيرة منذ سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
هذه المشاهد القادمة من هضبة الجولان، لا يبدو أن لها أصداء في العاصمة السورية دمشق، وحُكّامها الجُدُد، حيث دعا أحمد الشرع الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام السوريين للاحتفال بسُقوط نظام الأسد، ثم التوجّه للعمل من أجل بناء مستقبل البلاد.
ويبدو أن قطاعًا عريضًا من الشعب السوري قد لبّى نداء الجولاني للاحتفال، حيث شهدت الشوارع والميادين الرئيسية في محافظات عدة، أبرزها دمشق وحماة وحمص والسويداء ودرعا واللاذقية وحلب، مشاهد احتفالية كبيرة، حيث توافد عشرات آلاف السوريين إلى الميادين للتظاهر والتعبير عن فرحتهم، في مشهد يقول أنصار المعارضة يُظهر بوضوح كميّة كُره الشارع السوري لنظامه السابق، حيث مشهد الهروب الأخير للرئيس السابق عزّر حالة عدم التضامن الشعبية معه أو على الأقل كما صُوّرت إعلاميًّا.
أخفى الأسد خطط فراره.. هل كان عليه انتظار “السّحل”؟
وقالت وكالة “رويترز” بأن الأسد لم يُبلّغ حتى شقيقه ماهر الأسد، وأقاربه بخططه للهروب من سورية، كما قال لمساعديه إنه ذاهب لمنزله لكنه توجّه للمطار، وفعل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ما بوسعه لضمان وصول الأسد لـموسكو بسلام، وأضافت الوكالة بأن الأسد طلب من بثينة شعبان الحُضور لمنزله لكتابة خطاب له وعندما وصلت لم تجد أحدا.
في مُقابل هذا، يسأل السوريون من المُوالين المُتبقّين للأسد، إذا كان على الرئيس السوري السابق البقاء في سورية، حتى تصل إليه الجماعات المسلحة المتطرفة، وتقوم بسحله على طريقة القذافي بدون محاكمة عادلة، والمشهد يتحدّث حينما أقدمت تلك الفصائل المسلحة نفسها على حرق ضريح الرئيس الراحل حافظ الأسد، دون اكتراث لحرمة الميت، فكيف هو المشهد مع الأسد الابن لو بقي في سورية، وقد علم بأن جيشه فقد شغف القتال، وتخلّى عنه الحلفاء، تساؤلٌ مطروح.
“الشخص الوطني لا يفر.. والهارب جبان
وأعاد السوريون المصدومون من فرار رئيسهم، مقطع فيديو للأسد يتضمّن تصريحات أدلى بها بعد نحو عام على اندلاع الحراك الاحتجاجي عام 2011 وعرّف “الخائن” الذي يترك بلده في عز الأزمة، ووصف الرئيس السوري آنذاك الشخص الهارب بأنه إما “فاسد ومرتشي”، أو “جبان هُدّد من قبل إرهابين أو جهات أخرى”، أو “شخص لديه طموح ويعتقد أنه يجب أن يحصل على مكاسب أو مزايا او مراتب معينة فلم يحصل عليها فقرر الهروب”. وقال بشكل قاطع: “الشخص الوطني والجيد لا يهرب ولا يفرُّ خارج الوطن”.
منى واصف تشعر بالارتياح
ومع تبدّل المواقف تُجاه الأسد عُمومًا، تسلّطت الأضواء على مواقف الفنانين السوريين، الذين كان قطاع كبير منهم مُؤيّدًا مُتطرّفًا للرئيس الأسد، فالبعض منهم لا يزال صامتًا، والبعض فضّل المُغادرة، فيما غيّر كثيرون موقفهم، ومنهم من كان موضوعيًّا، منهم الفنانة السورية القديرة منى واصف، التي قالت في تصريح إعلامي إنها “تشعر بالارتياح تجاه المشهد الحالي في دمشق”، التي تشهد احتفالات واسعة بسُقوط النظام بعد أكثر من 50 عامًا من الحُكم المُستبد.
كما ذكّرت الفنانة الشهيرة بأن ابنها عمّار معارض، وكان خارج سوريا مُنذ عام 2005، حسب شبكة “سي إن إن”.
انفتاح إعلامي بعد الأسد
ومع سُقوط نظام الأسد الذي كان يفرض حظرًا إعلاميًّا شديدًا على القنوات التي لا تتبنّى أدبيّاته السياسية، يبدو أن العاصمة السورية ستشهد انفتاحًا إعلاميًّا على الأقل حتى الآن، مع توافد المراسلين من كافّة القنوات العالمية، والعربية، واندماج مُلاحظ بين القنوات السورية الموالية سابقًا والمُعارضة التي عارضت نظام الأسد.
وتتسلّط الأضواء بكثافة على زعيم سورية الجديد، أحمد الشرع، وسط تساؤلات حول قدرته على قيادة البلاد دون التصادم مع مُنافسيه، وإن كان يستطيع الخروج من عباءة الإسلام السياسي، ووضع دستور مدني يحفظ للسوريين جميعًا حقوقهم.
الجولاني “كان مُؤدّبًا للغاية”
صحيفة “تايمز” البريطانية تطرّقت لقصة حول الجولاني مع تناسل الأسئلة حول أصوله بين السوريين ومُحاولة التعرّف على عائلته، قالت الصحيفة إنه ومع حلول الظلام ونهاية يوم طويل في سوريا، وصل الجولاني إلى مدخل المنزل الذي نشأ به في منطقة المزة جنوب غربي دمشق.
وتضيف في التفاصيل أن “الجولاني صعد إلى الطابق العاشر باستخدام المصعد، برفقة 4 حراس مسلحين، ودق جرس الباب ليفاجأ بزيارته القاطن في المنزل، وهو المهندس الميكانيكي أحمد سليمان، وزوجته، ويحكي حارس المبنى السكني الذي يدعى عامر، وكان شاهدًا عن ما حصل، أن الجولاني كان “مُؤدّبًا للغاية”.
ويضيف أن الجولاني قال للساكن: “هل تمانع في إخلاء هذه الشقة؟”، وأضاف: “أنت ترى، والداي لديهما ذكريات جميلة عن هذا المكان ويرغبان في العودة للعيش هنا”.
وكان سليمان وزوجته حصلا على الشقة من قبل نظام الأسد، الذي صادرها من أسرة الجولاني بعد أن أصبح معروفًا أنه قائد للمعارضة، مما دفع والديه للسفر إلى مصر.
يقود المرسيدس.. هل يقبل الجولاني بالتطبيع؟
ولم تتوضّح صورة السياسة التي قد يختارها الجولاني في تعامله مع إسرائيل، وما إذا كان سيقبل بالتطبيع بعد سقوط نظام الأسد، حيث بادر الكاتب والمؤرخ آفي شيلون إلى طرح مبادرة على الحكومة الإسرائيلية أن توجِّه دعوة إلى قائد الحكم الجديد في دمشق، أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) إلى زيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى، ويتابع شيلون فإذا كان هذا يبدو شيئاً من الخيال، فإنه يمكنه أيضاً أن يكون مبادرة حتى أهم من زيارة السادات، وذلك لأنه إذا ما استجاب الجولاني للدعوة فإنها يُمكنها أن تُشكّل مُصالحة مع العالم الإسلامي وليس فقط مع دولة سوريا.
وفي رسالة تؤكد الدعم التركي والقطري لمعركة “ردع العدوان” التي أسقطت نظام الأسد، ظهر أحمد الشرع الملقب بـ”أبو محمد الجولاني”، وهو يقود سيارة فارهة في دمشق برفقة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، ورئيس الاستخبارات التركية إبراهيم قالن، ورئيس جهاز أمن الدولة القطري خلفان الكعبي، وظهر الجولاني يقود سيارة “مرسيدس” بمشهدٍ قد يُوحي بأنّ الجولاني يُريد أن يظهر بمظهر القادة العرب المُرفّهين، وليس الزاهدين، وبجانبه قالن، بينما يجلس فيدان والكعبي على المقعد الخلفي.
واحتشد عدد كبير من سكان العاصمة السورية لرصد المشهد، بينما كانت السيارة تتقدم في طريق ضيق وسط حراسة رجال الأمن، ويعد فيدان أول وزير خارجية أجنبي يزور دمشق، منذ سقوط نظام الأسد.
🩻إيران تتّهم الجيش السوري
ومع تواصل صدمة إيران جرّاء سُقوط حليفها الأسد، دافعت طهران عمّا يعتبره خصومها إخفاقًا في سورية وخسارة قاتلة للنفوذ عن موقفها أو تخلّيها عن الأسد، حيث قال قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي: “قوّاتنا كانت آخر من غادر سورية، لم يكن منطقيًّا أن نُشرك الحرس الثوري وقوات الباسيج في بلد آخر بينما كان جيش ذلك البلد مجرد متفرج”، وأضاف: “كنا نريد المُساعدة لكن أغلقوا جميع الطرق إلى سورية”.
كيف تتعامل إيران مع التهديدات وخسارة النفوذ؟
ويبدو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مُنتشيًا على إثر سقوط نظام الأسد بـ11 يومًا فقط، دون استراتيجية واضحة للتصدّي من قبل محور المُقاومة، أو ما تبقّى منه، ويستعد فيما يبدو لإسقاط النظام الإيراني، حيث أكد نتنياهو في رسالة مصوّرة جديدة موجهة إلى الشعب الإيراني، أن مستقبل إيران بدون نظام الجمهورية الإسلامية سيتحقّق قريبًا وبشكل أسرع مما يتوقعه الناس، وأوضح نتنياهو أن هذه هي المرة الثانية في أقل من شهر التي يوجه فيها رسالة مباشرة للشعب الإيراني، حيث كان قد صرّح في رسالته السابقة في نوفمبر الماضي بأن النظام الإيراني “سيُسقط قريبًا”.
وفي رسالته الأخيرة، كرّر نتنياهو تأكيده على أن مُستقبل إيران “بدون نظام الجمهورية الإسلامية” بات قريبًا، قائلًا: “المرأة، الحياة، الحرية. هذا هو مُستقبل إيران، وهذا هو مُستقبل السلام”.
وفي مُقابل هذا، أكد الحرس الثوري أن النظام الإيراني “واثق من أن المخطط المشترك” بين الولايات المتحدة وإسرائيل “سيفشل في هذه الأرض، وأننا سنشهد تألّق سوريا في ميدان دعم شعوب فلسطين ولبنان”، ولم يُعرف بعد ما إذا كانت طهران ستتحرّك لإسقاط الحكم الجديد في سورية، أم أن تلك التصريحات إعلامية، وتخدم في رفع حالة الإحباط التي ضربت أوساط محور المُقاومة، فيما قال محمد باقر قاليباف رئيس مجلس النواب الإيراني “من الواضح أنّ سُقوط بشار الأسد سيُؤثّر على المقاومة، لكن الجماعات المقاومة، وخاصة حزب الله في لبنان، أظهرت أنها ستتأقلم بسرعة مع الظروف الجديدة، بل ستعمل بقوّة وحيوية أكبر من ذي قبل”.
تبدّل المشهد تمامًا في سورية، وبعد أيّام قليلة، لن يكون محور الحديث عن نظام الأسد وسُجونه، والفرح بسُقوطه، وإنما بمدى قدرة الحكام الجُدُد على فرض سيطرتهم على البلاد، والانتقال من الديكتاتورية، إلى الديمقراطية، وسياساته الخارجية، وقُدرته على حل المشاكل الاقتصادية، والأهم القُدرة على منح جميع السوريين حُريّة الرأي، والتعبير، وإغلاق السجون، والقُدرة على منح الرأي الآخر المساحة والحريّة، الذي كانوا يقولون إنه كان مُصادرًا في سورية الأسد وصولًا لفقدان الحياة!